بقلم: نهاد أبو غوش

تستمد أي نقابة قوتها من شرعية تمثيلها لجمهور منتسبيها، وترتبط بمجموعة من العوامل أبرزها جماهيرية النقابة والتفاف جمهور العاملين حولها، ومقياس ذلك هو نسبة انخراط العاملين في قطاع معين إلى النقابة حيث أن الانتساب للنقابات هو أمر طوعي وليس إلزاميا. فشرعية التمثيل ترتبط بالقدرة على التفاوض الجماعي باسم منتسبي القطاع، والضغط على الخصم ( أصحاب العمل او الحكومة) بقوة التفويض الممنوح للجسم النقابي الذي يستطيع أن يُلوّح بالقيام بإجراءات احتجاجية قد تصل إلى حد التوقف عن العمل او الإضراب.

وكما ترتبط شرعية التمثيل بمدى كونه ديمقراطيا، منبثقا عن انتخابات نزيهة وشفافة،  وفق نظام انتخابي معروف ومعلن، وبإشراف هيئة محايدة. ولترسيخ ديمقراطية الانتخابات، يجب ضمان دوريتها وانتظامها، وأن تكون الهيئة العامة معلنة للمهتمين من مرشحين ومراقبين، وان تكون شروط الترشح سلسة ومتاحة لجميع من تتوفر فيهم الشروط.

تخضع عملية تشكيل النقابات وترخيصها أحيانا لشروط رسمية معقدة، قانونية أو أمنية أو بيروقراطية، ما يبقي هذه العملية رهنا برغبة السلطة التنفيذية وحساباتها. وأكثر من يعاني من ذلك هي الطبقة العاملة ونقاباتها، في حين أن تشكيل النقابات المهنية، مثل نقابات الأطباء والمهندسين والمحامين يخضع لاعتبارات أكثر صرامة ومهنية مثل الشروط الأكاديمية ورخص مزاولة المهنة التي تشترك في الإشراف عليها كل من النقابات القائمة والسلطات المختصة كالوزارات المعنية.

وازداد الوضع تشابكا وصعوبة في فلسطين بسبب البيئة القانونية المعقدة، وهي مزيج من القوانين الموروثة عن فترة الحكم الأردني والمصري، إلى تلك الموروثة عن عهد الانتداب البريطاني، والأوامر العسكرية الإسرائيلية، وقد تعطلت آليات التشريع الفلسطينية بسبب تجميد عمل المجلس التشريعي الفلسطيني منذ العام 2007، ثم حلّه بقرار المحكمة الدستورية عام 2018، فأدى ذلك إلى مزيد من الإرباك للعمل النقابي، واتساع الفجوة بين واقع النقابات والإطار التشريعي الذي ينظمها، كما بين العمال ونقاباتهم مع أن الواقع الموضوعي يستدعي اكثر من اي شيء آخر تفعيل سلطة التشريع بسبب تطورات الواقع  المتسارعة، والتي تتطلب مواكبتها بتشريعات حديثة تأخذ بعين الاعتبار تغيرات ظروف العمل، والالتزامات الدولية التي وقعت عليها دولة فلسطين في مجالات العمل والتنظيم النقابي، وبالنتيجة ازدادت مشكلات العمال ومعاناتهم، ما فتح الباب واسعا أمام حراكات مطلبية متعددة الأشكال والدوافع، موقعية وقطاعية، سواء على قضايا جزئية محددة أو على قضايا عامة.

أدى إقرار قانون العمل الفلسطيني في العام 2000 إلى إلغاء قانون العمل الأردني الذي كان سائدا وكان يمثل الإطار العام للتنظيم النقابي، من دون وضع إطار بديل، وذلك ما أدخل العمل النقابي في فوضى واسعة، وانتشرت أكثر من 300 نقابة تتنافس فيما بينها على الاسم والاختصاص والتمثيل، ما أدى إلى انقسام النقابات عاموديا وأفقيا، في المهنة الواحدة وفي المنطقة الجغرافية الواحدة، وبحسب الجهات السياسية التي تقف خلف تأسيس هذه النقابات. علما بأن تشكيلة الجسم الرئيسي للنقابات العمالية ( الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين) تتكون من الأذرع العمالية للقوى والفصائل المشكلة لمنظمة التحرير، وقد سادت لفترة طويلة عقلية تقاسم المواقع القيادية وفق نظام الكوتا (المحاصصة) وذلك ما أضعف العملية الديمقراطية في هذه النقابات، وأبقاها رهنا بالتفاهمات الفوقية للقوى السياسية، كما أضعف قدرتها على تمثيل المصالح الحقيقية للعمال، ما أدى بالنتيجة إلى تشكيل أطر نقابية عمالية غير حزبية، بعضها استند إلى القطاع الواحد، أو موقع العمل أو إلى اعتبارات جهوية ومناطقية وشخصية، وأحيانا بسبب عوامل شخصية وفردية وأخرى مرتبطة بتشجيع أصحاب العمل ما أدى بالمحصلة إلى مزيد من تشتيت الحركة العمالية وإضعاف أطرها الرسمية في تمثيل مصالح العمال والضغط باسمهم، وإبقاء هذه الأطر أقرب إلى كونها واجهات للدعاية السياسية من كونها أدوات لتحصيل المطالب والحقوق العمالية.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر صاحبها وليس بالضرورة رأي المؤسسة او الممول