بقلم: جهاد حرب

مبكرا وعلى غير المتوقع، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عهدته الثانية بإصدار تصريحات ومبادرات تتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث لم يكتفي بالتدخل المباشر في إبرام الهدنة بين حركة حماس وإسرائيل أو وقف إطلاق النار، بل ذهب بعيدا في اقتراحاته المتعلقة بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى دول الجوار أو دول بعيدة وفقاً للتصريحات المتداولة سواءً إلى ألبانيا أو اندونيسيا أو غيرهما. مبادرة "الترامسفير" هذه سواءٌ كانت فكرة طارئة أو ممأسسة في تفكير الرئيس الأمريكي العائد أحدثت اضطراباً سياسياً في المنطقة، وعبرت عن تغيير جوهري في سياسات الولايات المتحدة الامريكية المعلنة في السنوات الفارطة بالتزامها في خيار حل الدولتين وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، وهي بالتأكيد مخالفة لقواعد القانون الدولي باعتبارها جريمة تطهير عرقي.

تأتي هذه المبادرة من الناحية اللحظية في سياق ما بعد الحرب على القطاع الأمر الذي يبدو أن الإدارة الامريكية الجديدة تريد تتويج العمليات العسكرية الإسرائيلية بنصر سياسي لطالما رغبت به الإدارة الامريكية السابقة لكنها فشلت في ذلك بداية الحرب، ولم تتمكن من الضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لتحديد اليوم التالي للحرب فيما يتعلق بإدارة الحكم في قطاع غزة. في المقابل فإن عملية التهجير، التي تعد نقطة محورية في فكر الجماعات الإسرائيلية اليمينية وفي طبيعة الصراع الفلسطيني، تشكل حلقة جديدة من حلقات سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي بدأها في عهدته الأولى من حيث الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، والاعتراف بضم إسرائيل للجولان السوري المحتل، بالإضافة إلى صفقة القرن التي اجازت ضم حوالي 30% من أراضي الضفة الغربية إلى إسرائيل مع تقطيع أوصال الدولة الفلسطينية. 

إن المتطلبات الوطنية الفلسطينية في مواجهة هذا السلوك الترامبي، تحتاج من ناحية أولى إلى توافق وطني فيما يخص البرنامج السياسي لجميع الفلسطينيين، وتبني استراتيجية المقاومة "الاستراتيجية الوطنية للمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي" تحديد الوسائل وأساليب بما يتناسب مع القدرات الفلسطينية والحفاظ على مقدراته وتعزيز صموده، بالإضافة إلى وضع خطة عمل مشتركة تحدد خطوات التحرك السياسي الفلسطيني سواء على مستوى التنسيق مع الدول العربية، بخاصة جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية ومع المملكة العربية السعودية، أو المنظمات الإقليمية كالجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأوروبي والقوى العالمية الرئيسية كالصين وروسيا، بالإضافة إلى هيئة الأمم المتحدة. 

 

ومن ناحية ثانية إقامة شراكة وطنية في إدارة الحكم، أي بمعنى أدق تشكيل حكومة انقاذ وطني بغض النظر عن طبيعة أعضائها "من تكنوقراط أو المستقلين أو الحزبيين" بهدف انهاء الانقسام وتوحيد مؤسسات الحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة تعنى بخدمة المواطنين من جهة وتعزز قدرة الشعب الفلسطيني على الوجود الفعال على طاولة المجتمع الدولي عند بحث المسألة الفلسطينية من جهة ثانية وإعادة البناء الديموقراطي للنظام السياسي الفلسطيني بالتحضير الواجب لإجراء الانتخابات العامة كأولوية وطنية من جهة ثالثة. 

  

كما تحتاج من ناحية ثالثة إلى تفكير فعال في طبيعة العلاقة مع الإدارة الامريكية الجديدة أو ردة الفعل الفلسطيني على تصريحات الرئيس الأمريكي بعدم الذهاب لمنحى مقاطعة الإدارة الامريكية وممثليها الدائمين أو غير المقيمين بالطريقة التي تم العمل بها في العام 2017.  في ظني أنه ينبغي النظر بعمق وحذر لمقاربة المقاطعة في حال تبنيها من جديد، حيث أنها تتطلب تحديد عناصر العمل وتهيئة الظروف وتحديد أوجهها بما يحقق رسالة الفلسطينيين للمجتمع الأمريكي. الأمر الذي يتطلب التعامل مع الوفود الامريكية الزائرة للأراضي الفلسطيني خاصة من مؤسسات المجتمع المدني والحكم المحلي ومن أعضاء كونغرس وغيرهم وتفادي الانطباع بمعادة الشعب الأمريكي ومصالحة. 

وإن كانت المقاطعة للإدارة مقبولة في مواجهة عنجهية رئيسها وغطرستها، لكن لا ينبغي ترك الساحة "الأمريكية" دون لاعب فلسطيني للتأثير على أركان السياسة الامريكية، حيث أن ساحة المعركة في أروقة السياسة الامريكية هي الأهم في هذه المرحلة. الأمر الذي يتطلب تحركاً فلسطينياً متعدد المسارات والأبعاد في أرجاء الولايات الامريكية وفقاً لخارطة طريق واضحة المعالم تتناسب مع طبيعة وآلية العمل السياسي الأمريكي وعناصر القوة الفلسطينية بما فيها تفعيل الجاليات الفلسطينية والعربية، تستهدف توطيد العلاقة مع مؤسسات المجتمع المدني الأمريكي والشخصيات العامة ووسائل الاعلام وأعضاء الكونغرس الأمريكي، ناهيك عن الولايات المختلفة ومجالس الحكم فيها. 

وبات ضرورياً صياغة رسالة فلسطينية تراعي تقديم القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني كجزء من النضال العالمي لتحقيق العدالة الدولية، وأن سياسات الرئيس ترامب تقوض القانون الدولي ومصالح الشعب الأمريكي وتثير البغض والغضب في المنطقة.