بقلم: أكرم عطاء الله

 

ينتظر العالم الخامس من نوفمبر إذ تبدو الإنتخابات الأميركية واشنطن عاصمة الدولة الاقوى والاكثر تاثيراً على صناعة القرار الدولي فالأصابع الاميركية تمتد لكل عاصمة وتؤثر على كل موقف ليس فقط لجهة القوة العسكرية بل أيضاً لسيطرتها بفعل تلك القوة على المؤسسات الدولية الكبرى التي أنشاتها على أرضها بعد الحرب العالمية الثانية.

يوم الثلاثاء الذي يلي الإثنين الأول من نوفمبر تجري الإنتخابات الأميركية كل أربع سنوات أما لماذا يوم الثلاثاء فتلك ترتبط بالمجتمع الأميركي الزراعي في القرن الثامن عشر وارتباطاً بتباعد الولايات وحتى يتم جمع الصناديق على ظهور الاحصنة وإلى أن تصل واشنطن العاصمة كان الأمر يحتاج لأسابيع طويلة حتى تصل ما جعل العشرين من يناير هو اليوم الذي يتم الإعلان وتنصيب الرئيس المنتخب.

لكن ذلك ومع التطور وسرعة المواصلات والإتصالات باتت تتكشف النتيجة يوم الإنتخابات وتعرف أميركا من هو رئيسها ويعرف العالم من هو الرئيس الأقوى في العالم ويبدأ العالم بالتقصي عن سياساته وتأثيراتها وتداعياتها على مسار الأحداث لكل دولة لأن الصوت الخارج من واشنطن يجد صداه في جميع العواصم.

الفلسطينيون الأكثر اهتماماً بتلك الإنتخابات في العقود الثلاثة الأخيرة وربما أكثر من أوساط في الولايات المتحدة نفسها للكثير من الأسباب التي يمكن اختصارها بأن المصير الفلسطيني بات معلقاّ في ثلث القرن الأخير بالوجهة والرؤية والقرار الأميركي لأن الولايات المتحدة هي من يحتكر ملف المفاوضات منذ بدايته وأيضاً  لأنها الدولة الراعية والممولة لدولة الإحتلال والوحيدة في العالم القادرة على إنهائه وارتباطأ بذلك تنشغل الدوائر الفلسطينية الرسمية والشعبية بقراءة الظاهرة  قبل حدوثها كل أربعة أعوام وقراءة تداعياتها.

الفلسطينيون  يعتقدون أن مصيرهم يحدده الرئيس الأميركي وبرنامجه رغم أن لا أحد من الحزبين المتنافسين لم يقدم أية حلول لكن قسوة الجمهوريين في التعامل معهم ومع قضيتهم وقربهم  من اسرائيل جعل الفلسطينيين  ينتظرون دوما المرشح الديمقراطي فالذاكرة الفلسطينية تحمل ذكرى قتل زعيمهم التاريخي ياسر عرفات في عهد الجمهوريين بموافقة خفية وفي عهد الجمهوريين أيضاً تم نقل السفارة الاميركية إلى القدس وفي عهد الجمهوريين تم تقديم تصور شطب القضية الفلسطينية من خلال بروفة صفقة القرن بينما لا زال الديمقراطيون يتحدثون عن حل الدولتين.

اعتاد الأميركيون على أن يترشح الرئيس لولايتين وفقاً للقانون الاميركي وكعادة الأميركيين فإنهم يعطون للرئيس فرصة الولاية الثانية بسهولة لكن هذه المرة تعثر الديمقراطيون مع رئيسهم الذي بدت عليه علامات فقدان الذاكرة بوضوح ليضطروا في أسابيع السباق الأخيرة لإستبداله على عجل بنائبته كاملا هاريس لتواجه مرشحاً معروفاً بالنسبة للأميركيين له قاعدته الإنتخابية وحزبه الأكثر تماسكاً من الحزب الديمقراطي.

في الأيام الأخيرة بدأت تضيق الفجوة بين المرشحين التي بعد أن كانت خمس نقاط بحوالي خمس نقاط لصالح هاريس لتصل إلى ما يشبه التعادل بل أن ترامب يتفوق في بعض الولايات الهامة وجاء ترشيح المرشحة جيل ستاين على حساب هاريس لتصبح مرشحة الحزب الديمقراطي وسلطة الحزب ودورته الثانية محل تهديد حيث يتوقع بعض المراقبين نجاح الجمهوري ترامب كسيناريو واقعي ووارد رغم تفوق هاريس في بعض الولايات.

هناك احتمال أن يتأخر الإعلان عن الرئيس لأيام ارتباطاً بطلب الرئيس ترامب سابقاً بإدخال تعديلات على نمط الفرز ما يجعله يحتاج إلى وقت اطول لكن ذلك لن يؤثر على السيناريوهات نفسها ولكن رغم  ذلك فإننا أمام مرشحين كل منهما يمتلك رؤية بخصوص الفلسطينيين الذين يتمنون فوز هاريس لكنهم كما كل مرة سيصابون بنكسة العجز الأميركي  على الحالتين.

فالرئيس ترامب يشكل انتكاسة للملف الفلسطيني حيث قربه الشديد للسياسات الإسرائيلية حد التبني الكامل وهذا يشكل هاجساً كبيراً للفلسطينيين ولكن فوز هاريس لا يبعث لهم  كثيراً من الأمل حيث سيطرة مجموعة من مناصري الاحتلال على الدولة العميقة في الحزب الديمقراطي رغم ما تظهره هاريس من تعاطف ما مع الفلسطينيين لكن من غير المتوقع حدوث تغييرات كبيرة والسؤال الكبير هو حول الحرب على غزة هل ستتوقف في حال انتخاب أي من المرشحين الجدد ؟ أغلب الظن أن اسرائيل ستتمكن من فرض رويتها بإستمرار الحرب وإقناع كلا الحزبين بضرورة إزالة حركة حماس وهو ما يتطلب استمرار الحرب.

الجالية الفلسطينية تحاول استغلال الظاهرة الإنتخابية وقد قدمت مطالبها لحملة هاريس التي رفضتها منها الإعتراف بالدولة الفلسطينية وعلى الجانب الآخر لديها بعض التصور بعد بعض التصريحات التي صدرت عن ترامب أننا امام طبعة جديدة أقل تهوراً من نسختها السابقة.

النظام السياسي الفلسطيني الذي يقف كل مرة منتظراً رئيساً جديداً بعد تنكر الرئيس المغادر بات مطلوباً منه مغادرة تلك الحالة السلبية نحو فعل أكبر في الداخل الاميركي المفتوح للعمل متكئة على جالية ثبت حضورها في دائرة التأثير خلال هذه الحرب وقد تتسبب بإسقاط نائبة الرئيس التي اعتبرت شريكة في هذه الحرب ما يمكن الإستثمار أكبر في العمل كلوبي فلسطيني عربي قادر على تغيير سياسات أو التأثير عليها بالحد الادنى.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر صاحبها وليس بالضرورة رأي المؤسسة او الممول.