كتابة: صابرين ابو لبدة.

ساهم الشباب الفلسطيني بدور حيوي من خلال فعاليتهم المجتمعية، في مواقع مختلفة على المستوى المحلي والوطني، وخاصة النضال من أجل انهاء الاحتلال الاسرائيلي، وشكلوا المؤسسات والجمعيات والنوادي والحركات الطلابية للتعبير عن رؤيتهم، في المخيمات والقرى والمدن. بذلك عملوا على صون الهوية الوطنية والتعبئة الشاملة الفكرية وتجسيدهم لأنفسهم وتعبيرهم عن انتمائهم وهويتهم وتجديد الاعتزاز والشعور بالوجود الفاعل والمؤثر.

جاء الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني عام 2007 ليشكل ضربة موجعة للعمل السياسي الفلسطيني على المستويين الوطني والدولي. فأصبحت القضية الفلسطينية لا تحصى بأولوية على الساحة الاقليمية والدولية نتيجة التناحر الحاصل بين طرفي الانقسام. بالتالي استخدامها كذريعة عربية ودولية في عدم تقديم الدعم السياسي المطلوب، وعلى المستوى الوطني لم يعد هناك اولويات مشتركة تصبوا إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة. عدا عن تكلفة الانقسام التي يدفع ثمنها الشباب والتي تظهر عبر أرقام البطالة المرعبة في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومن جهة أخرى عمل الانقسام على خلق حالة اغتراب للإنسان عن وطنه وشكل مأزقاً خطراً سينعكس في الفكر والوعي وعلى المشروع الوطني برمته، فقد نتج عن الانقسام بروز اهداف واستراتيجيات وبرامج لبقعتين  جغرافيتين  لن تخدم الهدف البعيد في إقامة دولة مستقلة بشبابها التي تجمعهم هوية وطنية جامعة، وهذا ما وجد فيه الاحتلال فرصة للدفع نحو الفصل المعنوي بعد فصل المنطقتين مادياً وجغرافياً، ما أدى الى قتل الحياة الديموقراطية، وتجاوز جميع القوانين الناظمة للحياة السياسية الفلسطينية على أرضية الخلاف بين الضفة الغربية وقطاع غزة، دون الالتفات إلى الشباب كفئة متضررة أجبرت على دفع ثمن الانقسام وتحمل آثاره.

أصبح الشباب الفلسطيني يعاني جملة من الضغوط الاجتماعية والسياسية نتيجة ممارسات وسياسات قمعية ممنهجة بعد الانقسام السياسي، وأصبح الشباب نتيجة هذه الضغوط والسياسات غير قادر على ممارسة دوره الطبيعي، حيث ساد الاحباط واستلاب الشباب وافقاره ثقافياً، وانسحب الشباب الفلسطيني من الحيز العام تدريجياً بسبب حرمانهم من المساهمة في صناعة مصيره، وغياب الفرص، وتفاقم شعورهم بالاغتراب، إلى جانب عدم قدرة النظام السياسي على تحقيق الحد الأدنى من متطلباته، وانتشار مظاهر الفساد، حيث تم محاصرة الوعي الوطني إعلامياً وسياسياً وأكاديمياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً، الأمر الذي جعل خيارات الشباب وفاعليته محدودة في مواجهة بنية سياسية تقليدية وأبوية تنظر إلى ممارساته ووجوده واختلافه كتهديد لها ولوجودها واستمراريتها.

شكل الانقسام ضربة قوية في تراجع ثقة الشباب بالأحزاب السياسية وبالتالي النظام السياسي والذي أدى لبروز الجهوية والفئوية والعشائرية كنتيجة طبيعية لاختفاء الاحزاب السياسية دفعت الشباب نحو شعور البلادة السياسية والاغتراب وعدم الفعالية والسعي وراء لقمة العيش.

إن حرمان الشباب من تمثيل أنفسهم وصناعة مصيرهم وحرمانهم من النموذج الوطني الجامع على أساس وحدة الهوية والمصير المشترك في ضوء خصوصيته السياسية، يعتبر حرمانه من التماهي والافتخار والاعتزاز بهويته وانتماءه وكرامته، لذلك يتوجب على النظام السياسي والأحزاب السياسية أن يعيدوا النظر إلى الشباب وواقعه، وأن يعيدوا من إصلاح أنفسهم وفق رؤية وجهود الشباب، وأن يعملوا على إدماج الشباب بشكل كامل في جميع الهياكل المؤسساتية، والعمل على وضع الحلول للأزمات السياسية من خلال مشاركة الشباب، والاعتراف بأهميته وقدرته في البناء والنهوض وانهاء الانقسام واعادة اصلاح النظام السياسي.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر صاحبها وليس بالضرورة رأي المؤسسة او الممول.