بقلم: روان أبو غزة

ولم يسبق أن واجهت المرأة في غزة هذا القدر من التحديات بشكل يومي، حتى إن منظمة "كير" حذرت قائلةَ: " النساء هن آخر من يأكل، هنّ وأطفالهنّ أول من يستهدف، وإن نجت فالعبء الأسري الملقاة على عاتقها لا يحتمل وغير معروف نهايته، فهي تقف لساعات طويلة في طوابير مزدحمة لحصولها على الماء والغذاء والغاز".

فالنساء والفتيات تواجه وضعاً كارثي، فقتل منهنّ أكثر من 11450 امرأة والآلاف منهنّ في عداد المفقودات، وذلك وفق تقديرات هيئة الأمم المتحدة.  

تعاني أكثر من مليون امرأة نازحة من ظروف محفوفة بالمخاطر، أهمها المجاعة والفقدان وعدم الوصول للرعاية الصحية والمواد الأساسية، ومنهنّ من فقد المعيل الأساسي لأسرهنّ، أو فقدنّ مصدر رزقهنّ. 

وفق دراسة استقصائية حديثة عملت عليها المؤسسة الفلسطينية لتمكين والتنمية المحليةREFORM، على المناطق دير البلح رفح وبيت لاهيا، وقد شملت على عينة ل382 امرأة موزعة على ثلاثة مناطق، وقد خلصت إلى أن الجرائم التي ارتكبت ما بعد السابع من أكتوبر واستمرارها حرمت النساء والفتيات من الاستقرار والأمن، وبل زادت من حدة العنف القائم على النوع الاجتماعي. أما عن أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي، فقد أفادت 68% أنهنّ تعرضنّ للعنف الجسدي، 33٪ تعرضنّ للعنف الجسدي من أفراد العائلة، و25٪ بأنهنّ تعرضنّ للعنف الجسدي من أفراد خارج العائلة. في المقابل 78 % منهنّ فقدن مصدر دخلهن بسبب الحرب، في المقابل 95% من النساء النازحات في رفح لا يملكن المال الكافي لتلبية احتياجاتهن الأساسية.

30% من النساء يواجهنّ صعوبات في الحصول على المعونات الإنسانية، منها اعتبار الذكر هو المعيل الأساسي للأسرة ومن يستحق الحصول على المعونة، وكذلك ضعف المعرفة بأماكن توزيعها، وازدحام أماكن توزيع المساعدات بالذكور، مما يعرضها للأشكال متعددة من العنف قد تتعرض لها.

في المقابل أشارت72.4٪ يواجهن مخاطر أثناء الحصول على الماء، 88٪ من المستجيبين لديهم محدودية في الوصول إلى المراحيض لعدة أسباب منها: انعدام الخصوصية والازدحام أمام المراحيض وفقدان الرعاية الصحية.

أما في حصولهنّ على الغذاء، فقد أشارت 85.3% الذي يحصلنّ عليه ليس مغذياً وأحياناً يكون فاسداً، ناهيك عن ارتفاع أسعار المأكولات، وغياب المواد الأساسية المغذية الطازجة والخضروات ومصادر الكالسيوم مثل البيض.

أما عن حقهنَ في التعليم، فقد فقدت طالبات الثانوية العامة من الخوض في امتحانات الثانوية، وكذلك حرمان 13% وفق الدراسة المشارة أعلاه من الطالبات الجامعيات من انهاء تعليمهنّ الجامعي، وانهاء مسيرة تعليمية لجيل كامل قادم بفعل تدمير جميع جامعات قطاع غزة.

في المقابل نرى من الأساسيات التي بعوز لها المرأة في قطاع غزة، هي تلبية الاحتياجات الأساسية وتقديم الرعاية الصحية النفسية بشكل مستدام، وإعادة اعمار البيوت وكذلك دور التعليم وتفعيل العيادات الصحية المتنقلة، تفعيل المرصد الوطني لرصد حالات العنف المبني على النوع الاجتماعي هدفها التأكيد على إقرار قوانين تنبذ العنف بعد معالجة الأسرة نفسياً من تبعات جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

فالنساء بحاجة إلى وقف إنساني فوري لإطلاق النار في غزة، وكذلك لابد من تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، ولا سيما المؤسسات النسائية بالتنسيق مع الوكالات الدولية ووكالات الأمم المتحدة للتأكد من معالجة القضايا المتعلقة بالنوع الاجتماعي بشكل كامل في جميع أعمال الإغاثة الإنسانية.

ومن منظور أخر يبعث الأمل، فالنساء كعادتهنّ تفكر في خلق البدائل والحلول، فراوية كانت تملك محلاً تجارياً تصنع فيه الكعك المزين ولديها عاملات، وبفعل العدوان واستمراره فقدت متجرها كاملاً، فما كان منها الا إيجاد بديلاً منه في خيمتها حيثما تنزح، تصنع الكعك بأقل الموارد المتوفرة وتخبزه على فرن الطينة وتبيعه، وأخرى كانت تعمل مديرةً في أفخم الفنادق السياحية، وبفعل العدوان واستمراره هدم الفندق، فلم يبقِ منه الا رماد، فخلقت بديلاً لتطعم صغارها، فأصبحت تبيع المخبوزات للنازحات والنازحين، أما الفتاة أمل التي لم تبلغ من عمرها الثامنة عشر، فخلقت بديلاً مغايراً لإطعام عائلتها بعدما فقدت والدها المعيل، فتجمع ملابس النازحات والنازحين من جيران خيمتها وتغسلها مقابل أجر، وغيرهنّ من النساء والفتيات المثابرات وإن لم يستطعنّ على إيجاد بديل، فمجرد أنها لازالت صابرة على أهوال جرائم الاحتلال فهي قصة ناجية تستحق أن تروى...،