بقلم: رامي مهداوي

في خضم الأزمة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، برزت هذه المنطقة المحاصرة، والمعروفة بتحدياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كمحور غير متوقع لاهتمام بعض أكبر الشركات التكنولوجية في العالم، مثل جوجل وأمازون. تثير هذه الظاهرة العديد من التساؤلات حول طبيعة وأهداف هذه الشركات في استخدام غزة كـ"منصة اختبار" لتطوير خدمات الحوسبة السحابية وتكنولوجيا البيانات، وكذلك التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على ذلك.

بدأت شركات التكنولوجيا الكبرى مثل جوجل وأمازون في استغلال الظروف الفريدة في غزة لتطوير واختبار حلول سحابية مبتكرة. تواجه غزة تحديات هائلة تتعلق بالبنية التحتية، بما في ذلك نقص الكهرباء، والاتصال المتقطع بالإنترنت، والقيود الاقتصادية. توفر هذه الظروف للشركات بيئة مثالية لاختبار مرونة تقنياتها وتطوير حلول قابلة للتطبيق في مناطق أخرى حول العالم تعاني من مشكلات مشابهة. من خلال هذه الاختبارات، تتمكن الشركات من تحسين تقنياتها، وتطوير حلول أكثر مرونة وقدرة على التعامل مع التحديات الصعبة. على سبيل المثال، يمكن أن تساعد هذه الاختبارات في تحسين أداء خدمات الحوسبة السحابية في بيئات ذات بنية تحتية ضعيفة أو غير مستقرة. ومع ذلك، تثير هذه التجارب تساؤلات حول الفوائد الحقيقية التي تعود على سكان غزة من هذه التطورات، وما إذا كانت هذه الفوائد تتجاوز نطاق الشركات نفسها.

تعد غزة بيئة غنية بالبيانات التي يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة لشركات التكنولوجيا. تقوم هذه الشركات بجمع كميات ضخمة من المعلومات حول سلوك المستخدمين وأداء الخدمات السحابية في ظل ظروف الضغط والقيود. تساعد هذه البيانات في تحسين الخوارزميات وتعزيز كفاءة التقنيات، لكن هذه العملية لا تخلو من الجوانب الإشكالية. من المهم أن نطرح السؤال: هل يتم جمع هذه البيانات واستخدامها بطريقة تحترم خصوصية السكان وحقوقهم؟ وهل يتم إطلاع سكان غزة بشكل كافٍ على كيفية استخدام بياناتهم؟ هذه الأسئلة تكتسب أهمية خاصة في ضوء الظروف الصعبة التي يعيشها سكان غزة، والتي قد تجعلهم أقل قدرة على رفض أو مناقشة استغلال بياناتهم.

تشجع التحديات الموجودة في غزة الشركات الكبرى على الابتكار والتطوير. يتطلب العمل في بيئة معقدة مثل غزة تطوير حلول أكثر قوة وأمانًا، مثل تعزيز بروتوكولات الأمان للتعامل مع انقطاع التيار الكهربائي وضعف الاتصال بالإنترنت. قد تؤدي هذه الابتكارات إلى تحسين تقنيات الشركات، لكنها أيضًا قد تزيد من تعقيد الوضع في غزة. بينما يمكن أن تسهم هذه الابتكارات في تحسين البنية التحتية الرقمية في غزة، فإنها قد تكون موجهة أساسًا لتلبية احتياجات الشركات بدلاً من احتياجات المجتمع المحلي. وبالتالي، يمكن أن تكون الفوائد التي تحققها هذه الابتكارات محدودة بالنسبة للسكان، حيث تظل التحديات الرئيسية التي تواجه غزة دون حل.

إن دخول شركات مثل جوجل وأمازون إلى غزة قد يكون له تأثيرات اقتصادية واجتماعية متباينة. من الممكن أن تساهم هذه الشركات في خلق فرص عمل جديدة في مجالات التكنولوجيا، مما قد يسهم في تحسين الوضع الاقتصادي لبعض الأفراد في غزة. ومع ذلك، يظل السؤال قائمًا حول مدى استفادة المجتمع ككل من هذه الفرص. في الواقع، يمكن أن يؤدي هذا الوضع إلى تعميق الفوارق الاجتماعية في غزة. فقد يستفيد جزء صغير فقط من السكان من هذه الفرص، بينما يظل باقي سكان غزة مهمشين، يعانون من نفس التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت موجودة من قبل.

أدى تواجد الشركات الكبرى في غزة إلى بعض التحسينات في البنية التحتية الرقمية. قد تكون هذه التحسينات مفيدة في تعزيز قدرة سكان غزة على الوصول إلى الخدمات الرقمية، لكن هناك تساؤلات حول من يستفيد فعليًا من هذه التطورات. في كثير من الحالات، تكون هذه التحسينات موجهة أساسًا لخدمة احتياجات الشركات نفسها بدلاً من المجتمع المحلي. هذا يعني أن الفوائد التي يمكن أن تحققها هذه التحسينات قد تكون محدودة، حيث تظل الفجوة الرقمية قائمة بين جزء صغير من السكان الذين يمكنهم الاستفادة من هذه الخدمات، وباقي المجتمع.

يثير استخدام غزة كمنصة اختبار تساؤلات أخلاقية كبيرة. يرى النقاد أن هذه الشركات تستغل منطقة ضعيفة من أجل الربح، حيث تستغل الصراع كفرصة لتجربة تقنيات قد تكون محفوفة بالمخاطر إذا ما تم اختبارها في بيئات أكثر استقرارًا. هذا الاستخدام لمناطق النزاع لا يخلو من المخاطر، حيث يمكن أن يؤدي إلى تفاقم معاناة السكان المحليين. يجب على هذه الشركات أن تضع في اعتبارها المسؤولية الأخلاقية التي تتحملها عند العمل في مثل هذه البيئات الحساسة، وأن تضمن أن تكون أنشطتها مساهمة بشكل إيجابي في تحسين حياة السكان المحليين بدلاً من زيادة معاناتهم.

من الإشكاليات الرئيسية المرتبطة باستخدام غزة كمنصة اختبار هو غياب الموافقة المسبقة من السكان المحليين. قد لا يكون سكان غزة على دراية كاملة بأنهم جزء من هذه التجارب التكنولوجية، وبدون موافقة مسبقة، يصبح استخدام بياناتهم وبيئتهم لأغراض الاختبار أمرًا إشكاليًا من الناحية الأخلاقية. يجب على الشركات التي تعمل في مثل هذه البيئات أن تتأكد من أنها تحترم حقوق السكان المحليين، وأن تسعى للحصول على موافقتهم قبل استخدام بياناتهم في أي تجارب أو اختبارات.

إن تحول غزة إلى "منصة اختبار" للشركات الكبرى مثل جوجل وأمازون يعكس تقاطع التكنولوجيا مع الصراع والأخلاق. ورغم وجود بعض النتائج الإيجابية، مثل تحسين البنية التحتية الرقمية والفوائد الاقتصادية المحتملة، إلا أنه لا يمكن التغاضي عن المخاوف الأخلاقية المرتبطة بهذا التوجه. يشكل استخدام منطقة نزاع للاختبارات التكنولوجية أسئلة جادة حول مسؤولية هذه الشركات وتأثيرها على السكان المحليين. مع استمرار هذه الشركات في توسيع عملياتها في مناطق النزاع، من الضروري وضع إرشادات أخلاقية واضحة وآليات رقابية لضمان أن تكون أنشطتها مساهِمة بشكل إيجابي في المناطق التي تدخلها. بدون هذه التدابير، يظل خطر الاستغلال والأضرار مرتفعًا، مما يلقي بظلاله على الفوائد المحتملة للتقدم التكنولوجي في هذه البيئات الصعبة.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر صاحبها وليس بالضرورة رأي المؤسسة او الممول.