بقلم: عبد الرحمن التميمي، استاذ في الجامعة العربية الامريكية وجامعة القدس

 

اكدت نصوص القوانين الفلسطينية ووثيقة الاستقلال والقانون الاساسي الفلسطيني المعدل على تمتع النساء كما الرجال بجميع الحقوق على مبدأ تكافؤ الفرص وعدم التمييز ‘ إلا أن الفجوة ما زالت كبيرة في التطبيق .

 تعد مشاركة المرأة في الحياة السياسية  باروميتر المجتمعات الراقية ودليل نضوج المجتمع السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، ولعل مشاركة المراة في الحياة السياسية والحزبية من اهم مكونات البيئة السياسية النشطة والسليمة . فمشاركة المرأة من أهم عناصر الديمقراطية وهي تعكس طبيعة  الفكر الذي يحكم النظام السياسي والاجتماعي .

 ان القاء نظرة على واقع تواجد المرأة في الحياة السياسية الفلسطينية يظهر  حالة غير ايجابية ومتدنية  بالرغم من أن المراة تشكل 49.2% من المجتمع الفلسطيني . ان ضعف مشاركتها يعكس نفسه على السياسات العامة وتوجهات النظام السياسي .  فتحليل الواقع الحالي لمشاركة النساء في الحياة الحزبية والسياسية سيساعد في فهم الحالة الاحتجاجية بتكوين قوائم مشكلة من نساء فقط .

تشير النسب لعام 2019 أن امراة واحدة من اصل 21  عضو لجنة مركزية في حركة التحرير الوطني فتح  اي بنسية (4.7%) في حين تدني هذه النسبة الى (0%) لدى حركة المبادرة الفلسطينية  و بمعدل 19% في باقي فصائل منظمة التجرير ‘بينما لا يوجد في المكتب السياسي لحركة حماس سوى امرأة واحدة . ووفقا لتقرير صادر عن جهاز الاحصاء المركزي ووزارة شؤون المرأه فإن مشاركة النساء   في قيادة  النقابات المسجلة في وزارة العمل 19% فقط ، وأن 5% فقط نساء من أعضاء المجلس المركزي لمنظمة التحرير وهي نسبة متدنية  بالرغم من أن نسية النساء في المجلس التشريعي (2006 )  كانت 11% ونفس هذه النسبة تقريبا في المجلس الوطني الفلسطيني ( 10%) .

وفي صناعة القرار والسياسات العامة  بلغت نسبة النساء في مجلس الوزراء الحالي 14% وفي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير _  صفر ( يعد استقالة العضوة الوحيدة  حنان عشرواوي .) ووصلت نسبة النساء في السلك الدبلوماسي (10%) ولا يوجد اي امرأة تراس بلدية مصنفة ( ا او ب)  وهناك رئيسة بلدية واحدة في البلديات المصنفة (ج) و هناك امرأة واحدة تتقلد منصب محافظ .

 ان نظرة تحليلية على الاحصاءات التي وردت اعلاه قد يساعد في فهم الاحتجاجات النسوية ، وتشكيل قوائم انتخابية نسوية فقط ،ومطالبة النساء  في تمثيل اكبر في كل مفاصل التركيبة السياسية ( قيادة الاحزاب ، النقابات  ومنظمة التحرير ،والحكومة الفلسطينية )  حيث ان الشعور بالتهميش وعدم افساح  المجال للقيادات النسوية  ادى الى ارتفاع وتيرة الاحتجاج  حيث يتبين من  طبيعة تشكيل القوائم الانتخابية. عدم الربط  في بين اطلاق الطاقات النسوية وبين النضال التحرري  السياسي والاجتماعي  ليس فقط ضار  بالنضال الفلسطيني من اجل التحرر بل ايضا  بترك اثارا سلبية على تحرر المجتمع من قيود اجتماعية  اعاقة  مساهمة المراة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية

و تبين من تشكيل القوائم الانتخابية للحكم الحلي ان عدم اطلاق الطاقات النسوية  للمشاركة في الحياة السياسية هي نتاج  تدهور  الفكر الأجتماعي  والسياسي وعدم الادراك ان هذه المشاركة  المدخل الاساسي في عملية التحرر  بالمفهوم الانعتاق من الاحتلال اولا  والتخلص من القيود الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ثانيا .

ان المجتمع الفلسطيني مطالب بشكل كبير الاجابة على التسؤلات التالية  حتى نستطيع تفسير المطالبات النسوية والنشطاء بضرورة  ارتفاع تمثيل المراة وتوسيع مشاركتها السياسية

·      هل تتمتع المرأة بفرصة متساوية للمشاركة في العملية السياسية؟ إذا لم تتمتع بفرصة متساوية، ما هي الحواجز التي تعترض طريقها؟ هل هناك، على وجه الخصوص، أي عقبات قانونية أمام َ ُ المشاركة المتساوية للمرأة كناخبة أو مرشحة .

·      ذا كانت الفرص متساوية، هل تستفيد المرأة منها، وإذا لم تكن كذلك، لماذا؟ على سبيل المثال، هل نسب الامية  أو البطالة أو الفقر أعلى بين النساء؟ هل هناك أي حواجز سياسية أو اجتماعية أخرى لمشاركة المرأة؟

·      هل يمكن إجراء أي تغييرات على القوانين والممارسات التي من شأنها أن تؤدي إلى مشاركة أكبر أو متساوية أكثر للمرأة؟ إذا أمكن، ما هي هذه التغييرات؟

الاجابة على الاسئلة السابقة قد يفسر ما يحدث  من تهميش واضعاف لدور النساء من المشاركة الفعلية ( كما ونوعا)  ولذلك فان   دخول عدد كبير من النساء في قوائم حزبية او محلية لخوض كافة  مستويات الانتخابات  سيشكل الية ضغط لتغيير بنيوي في طبيعة مشاركة النساء والتقدم نحو مساهمة كبيرة للنساء في الحياة السياسية التي بضرورة ستنعكس على  مناحي الحياه الاقتصادية والاجتماعية ، ولكن هذه السيرورة لها شرط مسبق وهو نقاش فكري جاد في الاحزاب وداخل منظمة التحرير والنقابات ، هذا النقاش     الذي من المفروض ان يتركز على ان اشراك النساء في صناعة القرار السياسي  وعلى حقوق المرأة كجزء اصيل من حقوق الانسان بل هو ايضا  شرظ مسبق  لتحقيق الظرف الموضوعي  للتنمية الاجتماعية والاقتصادية

من المهم التأكيد على  ان ارتفاع مساهمة المراة الفلسطينية   سيساهم بشكل كبير في اعطاء صورة عن الرقي الفكري  من جهة وعلى احترامنا للمعايير الدولية  التي تمكننا من استخدام هذه المعايير كمنصة  مهمة لتدليل على اننا شعب يستحق التحرر والاستقلال من جهة اخرى . حيث تنص الفقرة 23 من ميثاق الامن  الاوروبي  "إن ممارسة المرأة الكاملة والمتساوية لحقوق الانسان  أمر ضروري لتحقيق منطقة سلمية ومزدهرة وديمقراطية أكثر.

 

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر صاحبها وليس بالضرورة رأي المؤسسة او الممول.