بقلم: كايد ميعاري

ينشغل مجتمع اللاجئين اليوم بازمة مطلبية جديدة بين وكالة غوث وتشغيل اللاجئين واتحاد العاملين في الوكالة، وقد شغلت هذه الازمة العديد من الاطراف والمؤسسات والفعاليات الرسمية والاهلية، لراب الصدع بين الطرفين للحفاظ على حقوق العاملين من جهة وضمان تقديم الخدمات لمجتمع اللاجئين من جهة اخرى.

حيث تعاني الأونروا على مدى سنوات من عجز مالي في موازنتها، زاد من حدة هذا العجز قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2018 وقف التمويل المالي المقدم من الولايات المتحدة للأونروا بقيمة 350 مليون سنويا، ثم تبع ذلك قرار من دول خليجية بوقف مساعدات بقيمة 200 مليون دولار. وجاء القرار الأمريكي في سياق سعي الإدارة الترامبية إلى تصفية ملف اللاجئين وإزاحته عن طاولة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إلا انه حمل في طياته كثيرا من التداعيات الإنسانية والاقتصادية على صعيد اللاجئين الفلسطينيين في كافة المخيمات الفلسطينية.

وشكلت هذه الأزمة مرحلة مفصلية في سياق عدة أزمات متراكمة عايشتها وكالة الأونروا في العقود الثلاث الأخيرة، أدت إلى تقليص الخدمات التي تقدمها للاجئين بشكل ملحوظ، وخفضت النفقات التي يشعر العاملين العرب في وكالة الأونروا أنها جاءت على حساب حقوقهم من خلال عدة إجراءات شكلت عنوان لنزاع العمل ما بين اتحاد العاملين العرب في الوكالة وإدارتها كإيقاف الموظفين العاملين على نظام العقود والمياومة. وجاء الإضراب الأخير الذي جرى تعليقه بعد وساطات للعاملين في الوكالة بالضفة الغربية ضمن السياق ذاته، حيث يطالب الموظفين بزيادة الرواتب في مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة.  

ولا يمكن قراءة هذه النزاعات المطلبية بمعزل عن الأزمة التي تعيشها الأونروا وهي من شقين: التهديد الوجودي الذي تعيشه الوكالة رغم الايمان والإقرار بالحق النقابي والمطلبي للعاملين في الوكالة، ولاسيما ذاك التهديد المتعلق بالمهمة السياسية والتاريخية للوكالة والذي بذلت فيه الولايات المتحدة الامريكية وحكومات الاحتلال المتعاقبة جهودا كبيرة لزعزعة مكانة الوكالة وتشويه صورتها أمام المجتمع الدولي تحت شعارات جذابة كالإصلاح الإداري والمالي ومحاربة الفساد في الوكالة. أو على صعيد تجفيف موارد الوكالة وتقويض خدماتها بشكل ممنهج مع مرور الزمن وتصفية ادواتها للتدخل في الحد من معاناة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية كافة.

إن هذه الأخطار المحدقة بالوكالة لا تبرر بأي حال من الأحوال انكار الحقوق المطلبية والنقابية للعاملين في الوكالة سواء على صعيد بيئة العمل أو الأجور إلا أنها تتطلب اليات جديدة في التعاطي معها بما لا يصب في خدمة الاخطار الوجودية التي تتعرض لها الوكالة تحت أي ظرف من الظروف ويخلق حالة من التوازن في التعاطي مع القضايا المطلبية بما لا يضاعف تآكل قدرة الوكالة على تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين وخاصة الخدمات الحيوية كالصحة والتعليم والبيئة، وبما يحافظ عليها كمؤسسة جامعة وحافظة للرواية الفلسطينية ما بعد النكبة عام 1948 والحفاظ عليها مهمة وطنية وإنسانية بالوقت ذاته.

وخيرا فعلت دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، ووزارة العمل ومكتب الرئيس بوساطتهم التي أدت إلى تعليق الاضراب مؤخرا، وتوفير منصة للحوار ما بين مختلف الأطراف بما يضمن استمرار تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين خاصة في ظل الاستهداف المتنامي لها من قبل جيش الاحتلال كما يحصل في مخيمات شعفاط وبلاطة وجنين، إلا أنه ولضمان نجاح هذه المبادرة  يجب أن يتم استدامتها وتوسيع قاعدة الشركاء فيها لتشمل المؤسسات المجتمعية الحيوية داخل المخيمات بما يمنحها مركزا في عملية التأثير وصنع القرار وخلق بيئة حاضنة وداعمة له تستطيع على المدى الطويل منع تطور النزاعات بما يؤثر على واقع اللاجئين الفلسطينيين والخدمات المقدمة لهم.

خلاصة القول، يشكل الحوار السبيل الوحيد المتاح لمعالجة مختلف القضايا وتجنب استخدام الاليات التي من شأنها تعميق معاناة اللاجئين، أو زعزعة مكانة الوكالة على الصعيد المجتمعي لأن ذلك يصب في خدمة المخططات الهادفة الى انهاء وجودها لأسباب سياسية بحتة تتعارض مع الحقوق الوطنية الفلسطينية المكتسبة.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر صاحبها وليس بالضرورة رأي المؤسسة او الممول.