بقلم: نهاد أبو غوش، كاتب وصحفي ومدير مركز المسار للدراسات

 تعاني النقابات العمالية والمهنية في فلسطين من اختلالات قانونية وبنيوية تحد من قدرتها على تمثيل منتسبيها والدفاع عن مصالحهم، وتبرز هذه الاختلالات لدى النقابات العمالية أكثر من المهنية التي ما زال أبرزها (نقابتا المهندسين والأطباء امتدادا للنقابات الأردنية في الضفة)، وشروط عضوية هذه الأخيرة أكثر صرامة من عضوية النقابات العمالية.

أبرز ما تعانيه النقابات هو غياب القانون الناظم لعملها، ما يؤثر على مكانتها القانونية، ويضعف قوّتها في التفاوض الجمعي نيابة عن أعضائها. ويعود سبب هذا الخلل إلى البيئة القانونية المعقدة المستندة إلى خليط من القوانين الأردنية (في الضفة) والمصرية (في غزة) مع القوانين والأنظمة العسكرية الإسرائيلية، وحتى بعض القوانين الموروثة عن الانتداب البريطاني والعهد العثماني، بالإضافة إلى التشريعات الفلسطينية التي أقر معظمها  خلال عهد المجلس التشريعي الأول (1996-2006) والقليل مما أقره المجلس التشريعي الثاني الذي تم انتخابه عام 2006 والذي دخل في مرحلة من الشلل بسبب الانقسام، اضافة الى القرارات المؤقتة التي تصدر في ظل غياب المجلس التشريعي.

يعود غياب القانون الناظم لعمل النقابات العمالية إلى صدور قانون العمل الفلسطيني لعام 2000 والذي ألغى ما سبقه من قوانين أردنية ومصرية، وهذا الإقرار انطوى على ثغرة تشريعية حيث أن القانون الأردني كان يشمل قواعد التنظيم النقابي التي ألغيت بمجرد إقرار القانون الجديد دون وجود بديل، بينما في غزة لم يكن قانون العمل المصري يشمل قواعد التنظيم النقابي. ولمعالجة هذه الثغرة قدمت أكثر من مسودة لتنظيم العمل النقابي أبرزها ما أعد في العام 2004 لكنها بقيت حبيسة الأدراج.

كما نشأ تنافر جوهري بين الاتحاد العام لعمال فلسطين، وهي الصيغة التي كانت قائمة في الخارج، وبين الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين الذي يفترض أنه فرع للأول، ولكن الفرع عمليا بات أكبر من الأصل، وتبرز أزمة التمثيل النقابي لعمال فلسطين في المحافل الدولية حيث يشتد التنافس بين الإطارين ويتولى الاتحاد العام ذلك في بعض الأطر، بينما يتولى اتحاد نقابات العمال المهمة في أطر دولية أخرى.

جميع النقابات في العالم نشأت وتطورت للدفاع عن مصالح منتسبيها، ولتطوير المهنة، وهي أيضا تلعب دورا مهما في الحياة العامة، لأن أعضاءها هم مواطنون يشتركون مع باقي الشعب في الاهتمام بقضايا عامة مثل الديمقراطية والحريات العامة والتنمية، وفي فلسطين تبرز قضية الاستقلال الوطني والتحرر من الاحتلال كقضية جوهرية لدى جميع فئات الشعب وتنظيماته الاجتماعية. لكن الخلل يبرز حين تطغى الاهتمامات السياسية على النقابية، وهذه الظاهرة تُحَوِّل النقابات إلى مجرد واجهات سياسية للأحزاب التي تقودها، ويضعف دورها في تمثيل جمهورها، وإذا كان ذلك مبررا في مرحلة صعود الهوية الوطنية الفلسطينية بعد النكبة، وانخراط التنظيمات الاجتماعية في تأييد منظمة التحرير، فإن استمرار سيطرة الهم السياسي على النقابي المطلبي لم يعد لها اي مبرر، وباتت سببا لنفور جمهورها وابتعاده عن نشاطاتها.

أما المشكلة الأبرز في عمل النقابات المهنية والعمالية فهي ضعف وغياب الممارسة الديمقراطية في صفوفها، سواء بسبب غياب الانتخابات نهائيا كما في غزة، أو اعتماد هذه الانتخابات على الاتفاقات والصفقات الفوقية بين التنظيمات وفق مبدا المحاصصة والكوتا، أو عدم انتظام الانتخابات، وبالتالي غياب التجديد في هيئات النقابات، وضعف الرقابة والمحاسبة، وتهميش أدوار الأجسام الوسيطة (مثل المجلس المركزي بين الهيئة التنفيذية وقاعدتها).

ليس صعبا تشخيص الخلل والعلاج في أوضاع النقابات والذي يتلخص في إقرار التشريعات الناظمة لعملها، وإلزامها بإجراء الانتخابات بشكل دوري وإخضاعها لرقابة قاعدتها، والضغط الدائم لأن تكون النقابات "نقابات" وليست مجرد امتدادات للتنظيمات السياسية.  

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر صاحبها وليس بالضرورة رأي المؤسسة او الممول