بقلم: المحامية هديل بزار، مشاركة في مشروع "حوارية II"

أثار الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمود عباس نقاشًا واسعًا بين القانونيين والسياسيين، حيث انقسمت الآراء حوله بشكل واضح. فهناك من يرى في هذا الإعلان خطوة ضرورية لضمان استمرارية السلطة الوطنية الفلسطينية في حال شغور منصب الرئيس، بينما اعتبره آخرون انتهاكًا صارخًا لأحكام القانون الأساسي الفلسطيني المعدل، والذي يعد الوثيقة الدستورية التي تحدد نظام الحكم في فلسطين. الجدل تمحور حول ما إذا كان هذا الإعلان يتعارض مع النصوص الدستورية القائمة أم أنه يمثل تنظيمًا خاصًا يهدف إلى معالجة فراغ محتمل في النظام السياسي.

الإعلان الدستوري نص على أن يتولى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني منصب رئيس السلطة الوطنية مؤقتًا في حال شغور المنصب، وذلك في ظل غياب المجلس التشريعي. هذه الخطوة أثارت جدلًا قانونيًا؛ حيث رأى البعض أنها تتناقض مع نص القانون الأساسي، الذي ينص على أن رئيس المجلس التشريعي هو من يتولى المنصب في مثل هذه الحالات. ومع ذلك، اعتبر فريق آخر أن الإعلان لا يخالف القانون الأساسي، بل يُعد تنظيمًا استثنائيًا لتغطية ثغرة قانونية لم يكن القانون الأساسي قد أخذها في الاعتبار، وهي احتمال غياب المجلس التشريعي نتيجة حله، كما هو الحال الآن.

من الجوانب البارزة في هذا الإعلان أنه يعيد التأكيد على الدور المحوري لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها المرجعية السياسية العليا للشعب الفلسطيني. فالإعلان يعزز مكانة المنظمة باعتبارها الضامن الأساسي لانتقال السلطة بشكل سلمي في حال غياب المجلس التشريعي. هذا التوجه يعكس إدراكًا بأهمية توظيف شرعية المنظمة وقبولها الوطني والدولي لمواجهة المعضلات السياسية التي قد تنشأ، خصوصًا في ظل تصاعد التساؤلات حول آلية انتقال السلطة في حال شغور منصب الرئيس. هذه التساؤلات أصبحت أكثر إلحاحًا مع ازدياد التحديات السياسية والانقسام الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

من النقاط التي لا يمكن إغفالها في الإعلان الدستوري أنه قيد مدة شغل رئيس المجلس الوطني لمنصب رئيس السلطة بـ90 يومًا تُجرى خلالها انتخابات رئاسية، مع إمكانية تمديدها لمرة واحدة فقط إذا تعذر إجراء الانتخابات في الموعد المحدد. ومع ذلك، يبقى الإعلان قاصرًا عن معالجة بعض الإشكاليات العملية، مثل ما يترتب على عدم القدرة على إجراء الانتخابات حتى بعد التمديد. كما لم يتطرق الإعلان إلى حل العقبة الرئيسية التي تحول دون عقد الانتخابات، وهي آلية اقتراع المقدسيين، ما يجعل احتمالية تعذر إجراء الانتخابات خلال مدة الـ180 يومًا أمرًا واردًا.

في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني من عدوان مستمر وتعمق الانقسامات السياسية والجغرافية، جاء هذا الإعلان كخطوة استباقية لتجنب سيناريوهات خطيرة، مثل الاقتتال الداخلي أو زيادة الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي هذا السياق، يمكن فهم اختيار منظمة التحرير كجهة ضامنة لتجنب أي فراغ دستوري أو صراع سياسي، خاصة في ظل قبولها الواسع محليًا ودوليًا. ومع ذلك، يظل النقاش مفتوحًا حول مدى ملاءمة هذا الإعلان وقدرته على الصمود أمام التحديات القانونية والسياسية القائمة.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر صاحبها وليس بالضرورة رأي المؤسسة او الممول.